في ذاكرة الرياضة الأردنية والعربية، تتردد أسماء قليلة ارتبطت بالملاعب والصوت المميز الذي يرافق الجماهير في لحظات الفرح والانتصار، أو حتى الانكسار. ومن بين هذه الأسماء يبرز الإعلامي والمعلق الرياضي محمد المعيدي، الذي لم يكن مجرد ناقلٍ للأحداث الرياضية، بل صانعاً للأجواء ومؤسساً لمدرسة إعلامية تركت أثرها على أكثر من جيل.
الإعلامي محمد المعيدي بدأ مسيرته الإعلامية في التلفزيون الأردني عام 1981، حيث قدم العديد من البرامج الثقافية والاجتماعية قبل أن يتجه إلى مجال الرياضة. كانت بدايته مع برنامج "رحاب الجامعة"، تلاه برنامج "كنوز الأردن"، ثم "ملتقى الشباب"، وأخيرًا "دليل المواطن" .
بالإضافة إلى عمله في البرامج الثقافية، عمل المعيدي مذيعًا للأخبار في الإذاعة الأردنية، مما ساهم في تطوير مهاراته الإعلامية المتنوعة. هذه الخبرة المتعددة ساعدته في الانتقال بسلاسة إلى تقديم البرامج الرياضية، حيث بدأ بتقديم "المجلة الرياضية" عام 1989.
بدأت رحلة محمد المعيدي مع الرياضة كلاعب كرة قدم في نادي القادسية (الذي تحول لاحقاً إلى نادي شباب الأردن)، حيث عاش تفاصيل اللعبة من داخل المستطيل الأخضر. هذه التجربة الأولى زرعت فيه عشق الرياضة، وأعطته خبرة ميدانية انعكست لاحقاً في عمله الإعلامي. لكن شغفه بالكلمة والصوت قاده سريعاً نحو التلفزيون الأردني والإذاعة، ليبدأ هناك مرحلة جديدة ستجعله واحداً من أبرز الأصوات الرياضية في الأردن والمنطقة.
في مطلع الثمانينات، التحق بالتلفزيون الأردني وعمل إلى جانب الإعلامي الكبير محمد جميل عبد القادر، حيث قدم مجموعة من البرامج الثقافية والإعلامية مثل: رحاب الجامعة، كنوز الأردن، ملتقى الشباب، ودليل المواطن. وفي الإذاعة الأردنية، عُرف أيضاً كمذيع أخبار يتمتع بقدرة عالية على الإلقاء والتأثير.
غير أن النقلة النوعية في مسيرته كانت عام 1989، حين بدأ تقديم برنامج المجلة الرياضية، البرنامج الأشهر الذي رافق الجمهور الأردني لعقود، ليصبح المعيدي وجهاً مألوفاً في كل بيت.
كان محمد المعيدي من أوائل من أدخلوا فكرة الاستوديو التحليلي في التلفزيون الأردني أثناء تغطية كأس العالم 1990 في إيطاليا، وهو ما مثّل ثورة في طريقة تناول المباريات رياضياً وتحليلياً. لم يكتفِ بالتعليق على المباريات، بل أسهم في تأسيس القناة الرياضية الأردنية، وتولى إدارة البرامج الرياضية فيها، واضعاً اللبنات الأولى لنهضة الإعلام الرياضي المحلي.
بعد أن حقق حضوراً لافتاً في التلفزيون الأردني، تلقى المعيدي عروضاً من قنوات عربية بارزة. فانتقل للعمل في شبكة راديو وتلفزيون العرب (ART)، قبل أن يظهر عبر شاشة قناة رؤيا عام 2012، ومن ثم التحق في 2014 بشبكة beIN Sports القطرية، حيث فتح له هذا الانتقال مجالاً أوسع للتألق والوصول إلى جمهور عربي أكبر.
يُلقب محمد المعيدي بـ"الصوت الذهبي" في التعليق الرياضي. يتميز أسلوبه بمزج الوصف الدقيق للمباراة مع التحليل الفني المبسط، إلى جانب روح الدعابة التي يضفيها على النقل المباشر. لا يكتفي بسرد ما يحدث، بل يرسم صورة متكاملة تجعل المشاهد يعيش تفاصيل المباراة وكأنه في الملعب. كما أن خلفيته كلاعب سابق منحته قدرة على قراءة المباريات بلغة اللاعبين والمدربين، ما جعل تعليقه مختلفاً وقريباً من المتابعين.
على امتداد مسيرته الإعلامية، حظي محمد المعيدي بتكريمات عديدة تقديراً لعطائه وجهوده في خدمة الإعلام الرياضي الأردني والعربي. وكان آخر هذه التكريمات حين تم تكريمه مع نخبة من الإعلاميين الأوائل في احتفال كبير أقيم بمبنى مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية بمناسبة عيد الاستقلال، وتزامناً مع احتفالية عيد التلفزيون الـ57، وذلك بحضور وزير الاتصال الأسبق محمد المومني. هذا التكريم جاء ليؤكد مكانة المعيدي كواحد من رموز الإعلام الرياضي الذين أسهموا في صناعة ذاكرة وطنية حافلة بالإنجازات.
لم يكتفِ محمد المعيدي بدوره الإعلامي، بل أعلن في عام 2024 عن ترشحه للانتخابات النيابية في دائرة بدو الوسط، ليؤكد أن حضوره يتجاوز الملاعب والشاشات إلى الشأن العام، وأنه يرى في نفسه صوتاً قادراً على خدمة المجتمع من موقع آخر.
إن مسيرة محمد المعيدي تعكس قصة نجاح أردنية بامتياز: لاعب كرة قدم شغوف، تحول إلى إعلامي بارع، وأصبح صوت الملاعب الأردنية والعربية. جمع بين الرياضة والإعلام والسياسة، وبقي دوماً قريباً من جمهوره، يعبر بصدق عن نبض الشباب وحب الوطن والرياضة. وسيظل اسمه علامة مضيئة في تاريخ الإعلام الرياضي الأردني والعربي، وصوتاً راسخاً في ذاكرة عشاق كرة القدم.