في خضم أحداث حرب 1967، حيث كانت الجبهة الأردنية في مواجهة مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي، استشهد الشهيد البطل سعيد البديرات الحمايدة، سكان فقوع في محافظة الكرك. كان احد ابطال كتيبة شرحبيل بن حسنة، أستشهد بتاريخ 25 يونيو 1969 أثناء أداء واجبه الوطني، تاركاً خلفه إرثاً من التضحية والفداء.
تكريماً لبطولته وتقديراً لتضحياته، قامت أمانة عمان الكبرى بإطلاق اسم الشهيد على أحد شوارع العاصمة عمان منطقة أبو علندا، ليبقى اسمه خالداً في ذاكرة الوطن وأجياله.
عند استشهاد الشهيد " ابا محمد"، كان ابنه محمد "أبا يزن" يبلغ من العمر خمس سنوات، وشقيقه الأستاذ احمد لم يتجاوز الثلاث سنوات. ورغم صغر سنهما، إلا أن والدتهما المرحومة ام محمد التي كانت لا تتجاوز الثلاثين عاماً من عمرها، عند استشهاد المرحوم زوجها يرحمه الله.
كانت المرحومة ام محمد مثالًا للمرأة الصابرة المكافحة، فحملت الأمانة بكل شجاعة وربتهما على عزة النفس والكرامة والكفاف عن الناس، فكانت أماً وأبا في آن واحد.
كبر الأبناء على مبادئ والدهم وإرث والدتهم، فكان العميد الركن المتقاعد محمد سعيد البديرات نموذجاً مشرفاً للضابط الأردني المخلص لوطنه. التحق بـ الكلية العسكرية الملكية وتخرج برتبة ملازم، ثم تدرج في الرتب حتى وصل إلى رتبة عميد ركن، وتولى العديد من المناصب القيادية. أثبت كفاءته في كل المهام الموكلة إليه، وتفوق في جميع الدورات التي التحق بها داخل الأردن وخارجه، كما شارك في قوات حفظ السلام الدولية، ونال عدداً من الأوسمة تقديراً لجهوده وتميزه.
ولم يكن تفوقه في الميدان العسكري فقط، بل أيضاً في تحمل المسؤولية الأسرية والإنسانية، فعندما كبر، تولى مسؤولية أسرته بكل فخر ووفاء، وسدد ديون والدته التي كانت مضرب مثل في منطقة فقوع بكرمها وسمعتها الطيبة وصبرها الجميل. لقد رد هو وشقيقه الاستاذ احمد، الجميل لوالدتهم كما يليق بابناء بارين نشأؤوا على قيم الأصالة والاحترام.
وقد كان لي شرف الزمالة مع العميد الركن المتقاعد محمد سعيد الحمايدة، حيث خدمت مساعداً له في أكثر من موقع. وكنت دائماً ألمس فيه صفات القائد الودود، والحازم، والعادل، الذي يجمع بين الانضباط العسكري والخلق الرفيع، ويعامل زملاءه ومرؤوسيه بروح الزمالة والاحترام.
أما شقيقه الأستاذ احمد البديرات، فقد سلك طريق العلم والقانون، واحترف مهنة المحاماة، فكان مثالًا في الالتزام والمثابرة، مواصلًا المسيرة التي أسستها والدتهم الطيبة بكل صبر وحكمة.
هذه القصة ليست مجرد سرد لأسماء وأحداث، بل هي حكاية وطنية وإنسانية عظيمة تختزل معاني الوفاء، والصبر، والتربية، والنجاح. فالأم المكافحة، والابن العسكري المخلص، والأخ المثقف المجتهد، كلهم جسدوا قيم الأسرة الأردنية الأصيلة التي لا تنكسر أمام الشدائد، بل تزداد صلابة وعطاء.
نسأل الله العلي القدير أن يتغمد الشهيد سعيد البديرات الحمايدة بواسع رحمته، وأن يجزيه خير الجزاء على ما قدم لوطنه من تضحية وفداء، وأن يرحم المرحومة أم محمد ، والدة العميد الركن المتقاعد محمد " ابا يزن "والأستاذ احمد، على ما قدمته من صبر وتربية وكرامة.
تحية إلى الاخ والصديق "أبا يزن" والأستاذ احمد البديرات، على وفائهما لاسم والدهما الشهيد، واعتزازهما بسيرة والدتهما الصابرة المربية الفاضلة.
رحم الله والديهما، وجزاهما خير الجزاء، وجعل ما قدمتموه استمراراً لذلك الإرث الطيب الذي لن يمحى من ذاكرة الوفاء.