في سجلّ الرجال الذين يصنعون الفارق بصمتٍ وحكمة، يبرز اسم محمد عطا الله النمر الفايز بوصفه واحدًا من أعمدة الإدارة الصحية في الأردن، ورمزًا للعطاء الذي لا يعرف التوقف. فمنذ ولادته في 22 ديسمبر 1957، خطّ الفايز مسيرة مهنية وتعليمية استثنائية امتدت لأكثر من أربعين عامًا، مزج فيها بين الانضباط العسكري، والخبرة العلمية، والرؤية الإدارية التي أسهمت في تطوير واحد من أهم القطاعات الحيوية في الدولة: القطاع الصحي.
نشأ الفايز في بيئة تقدّر العلم، فبدأ تعليمه من مدارس سحاب، حيث أتمّ المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، قبل أن يشق طريقه نحو التخصص الجامعي. التحق بـ الجامعة الأردنية – كلية الاقتصاد والتجارة بين عامي 1976 – 1980، وهناك توسعت رؤيته في مفهوم الإدارة والتنظيم، ليكون ذلك حجر الأساس لصعوده القادم.
لم يكن شغفه بالطب من زاوية علاج المرضى، بل من زاوية بناء الأنظمة التي تحفظ حقوقهم وتضمن جودة الخدمات المقدمة لهم، ما دفعه لاحقًا للتوجه نحو الدراسات العليا، وحصوله على درجة الماجستير في إدارة المستشفيات والإدارة الصحية من ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي خطوة شكلت منعطفًا مهمًا في مسيرته.
بدأ الفايز حياته العملية في بنك الأردن المحدود بين عامي 1980 – 1982، ثم سرعان ما جذبته بيئة الانضباط والمسؤولية في القوات المسلحة، فالتحق بـ الخدمات الطبية الملكية عام 1982، وهناك بدأ فصلاً جديدًا من العطاء.
تميّز الفايز بسرعة اندماجه وقدرته على التطوير، فعمل ضابط دخول وخروج في مستشفى مركز القلب – المدينة الطبية، ثم تولى مسؤولية العلاقات العامة، قبل أن يصبح مدير شؤون المرضى في مركز القلب، وهو موقع حساس يقتضي دقة في التعامل مع الحالات المرضية وذويهم، وقد برع فيه بفضل إنسانيته وهدوئه وخبرته المتنامية.
وفي عام 1986، حصل على فرصة الابتعاث إلى الولايات المتحدة لإكمال الدراسات العليا، حيث تعمق في فهم الإدارة الصحية الحديثة، ليعود بعدها أكثر نضجًا واستعدادًا لقيادة مواقع أكبر.
محطات مهنية متقدمة… وثقة تتجدد
عُرف الفايز بنزاهته وحرصه على تطوير الأداء، ولذلك تنقل بين مواقع قيادية داخل الخدمات الطبية، منها:
ضابط اللجنة الطبية في مستشفى الملكة علياء العسكري (1989 – 1990).
ركن موارد بشرية في مركز فرح الملكي للتأهيل (1990 – 1997).
مساعد إداري للعيادات الخارجية في المدينة الطبية (1997 – 1998).
مساعد إداري في مستشفى الأمير هاشم بن الحسين في الزرقاء (1998 – 2000).
مساعد إداري في مستشفى الأمير زيد بن الحسين – الطفيلة (2000 – 2001).
مساعد إداري ضمن قوات حفظ السلام الدولية – سيراليون (2001 – 2002).
رئيس شعبة الإدارة في مركز فرح الملكي للتأهيل (2002 – 2010).
وإلى جانب خدمته العسكرية، عمل الفايز إداريًا في عدد من المستشفيات الخاصة داخل الأردن وفي السعودية وقطر، ليضيف إلى سجله خبرات إقليمية واسعة.
في عام 2012، تولى الفايز منصب مدير مكتب المتقاعدين العسكريين في الديوان الملكي الهاشمي، وهو موقع مسؤول يحتاج إلى شخصية دقيقة، رحيمة، وقادرة على فهم احتياجات هذه الفئة العزيزة من أبناء الوطن. وقد نجح في إدارة هذا المكتب حتى عام 2019، تاركًا إرثًا من العمل الهادئ والإنساني وخدمة الناس دون تردد.
من عام 2005 ولغاية 2010 مستشار اداري في عدد من المستشفيات داخل وخارج المملكة.
أحيل محمد عطا الله النمر الفايز إلى التقاعد عام 2004 بعد مسيرة تُكتب بماء الذهب، مسيرة جمعت بين الانضباط العسكري، والعلم الإداري، والالتزام الأخلاقي، والروح الإنسانية التي ميّزت كل محطة من محطاته.
لم يكن مجرد إداري، بل كان قائدًا يعرف كيف يصنع بيئة عمل صحية، وكيف يضع النظام دون أن يغيب عنه البُعد الإنساني. عمله في المستشفيات، المدنية والعسكرية، داخل الأردن وخارجه، جعل منه مرجعًا إداريًا يُحتذى به.
وفي سجلّ القطاع الصحي الأردني، يبقى اسم محمد عطا الله الفايز شاهدًا على مرحلة من التطوير، وعلى رجل لم يتأخر يومًا عن خدمة وطنه أينما وُضع.