في الثامن عشر من الشهر الجاري مرّت الذكرى الخامسة لرحيل الفريق أول الركن **خالد جميل الصرايرة**، أبي مهند، ذلك الركن الأشمّ من أركان الوطن، والقامة العسكرية التي تركت في سجلّ الأردن بصمة لا تمحها الأعوام. نستعيد اليوم مآثره كما يُستعاد عبقُ الطيب بعد غياب صاحبه؛ فقد كان، رحمه الله، شجرةً وارفة الظلال في ميدان العسكرية، يأوي إليها كلُّ جنديٍّ عرف نزاهته، ويشهد لصلابته، ويتفيّأ عدله وحنانه الأبوي.
امتلك الباشا الصرايرة خصالًا أصيلة مكّنته من أن يكون الرجل الأول على رأس المؤسسة العسكرية الأردنية؛ فكان إذا نطق صدق، وإذا حكم عدل، وإذا قرّر مضى كالسهم لا يلتفت، مؤثرًا مصلحة الوطن والجيش على كل اعتبار. ترك أثراً طيباً في نفوس أبناء القوات المسلحة، أثراً يشبه نقشاً على صخر لا تمحوه الرياح.
بدأ الراحل مسيرته معلّمًا في نابلس ومتصرّفية جنين–القدس، ثم التحق بالقوات المسلحة عام 1965، فمضى فيها صاعداً سلّم المناصب بثبات الجبال. نال بكالوريوس العلوم العسكرية، ثم الماجستير في الدراسات الدفاعية من باكستان، والدكتوراه من جامعة الدول العربية. وحين رآه جلالة الملك عبدالله الثاني جديراً بالقيادة، قلّدَه مسؤولية رئاسة الأركان من عام 2003 حتى 2010، ثم اختير لعضوية مجلس الأعيان لدورتين متتاليتين.
عرفتُ الباشا عن قرب حين عملتُ إلى جواره في قيادة الفرقة الآلية 12 الملكية، وكان آنذاك ركن أول استطلاع بعد أن أنهى قيادته لكتيبة أبي عبيدة عامر بن الجراح، بقيادة اللواء الركن مطيع حماد، كان العمل معه كان مدرسة قائمة بذاتها؛ فمن يجلس في ظلاله يتشرّب من معدنه الأصيل، ومن حسن طباعه، ومن ذاكرته الوقّادة، ومن فراسته التي تكشف معادن الرجال كما تكشف الشمس ملامح النهار.
كان وفيّاً لأصحاب العطاء، حريصاً على إحقاق الحق، جريئاً في طرح ما يراه خدمةً للعمل ولمنتسبي القوات المسلحة. لذا جاءت مبادراته كالغيث، منها إعفاء السيارات للضباط المتقاعدين، ومشروع إعادة تشغيل المتقاعدين عبر شراء الخدمات، وهي قرارات رفعت من معنويات من خدموا الوطن وكرّسوا له أعمارهم.
حقًا، في مثل هذه الأيام نستذكر هذه القامة الفذّة التي أهدت المؤسسة العسكرية روحاً جديدة، ودفعـت بها نحو مدارج العزّة والفخار.
نسأل المولى عز وجل أن يتغمّده برحمته الواسعة، وأن يسكنه فسيح جنّاته جزاء ما قدّم للوطن وجيشه من بناء وتطوير وتحديث.