حين تُذكر البدايات الراقية في تاريخ الشاشة الأردنية، لا يمكن تجاوز اسم نوف التميمي، الصوت الذي ارتبط ببهجة الصباح ودفء الحضور الإنساني على شاشة التلفزيون الأردني. لم تكن مجرّد مذيعة تقدم برنامجًا جماهيريًا، بل كانت وجهًا يعكس روح البيت الأردني وملامح يومه الأول من خلال برنامج "يسعد صباحك"، الذي أصبح علامة فارقة في الذاكرة الجماعية. حملت التميمي إلى الشاشة طاقة إيجابية وصدقًا بسيطًا جعلها قريبة من الناس، وجعل حضورها جزءًا من تفاصيل صباحاتهم على امتداد سنوات من التألق المهني.
وتعود جذور نوف التميمي إلى أصول سعودية تمتد إلى قبيلة بني تميم في حائل شمال نجد، وهي من الجيل الثاني لأسرتها في الأردن. فقد قدم والدها إلى البلاد قبل إعلانها مملكة، ملتحقًا بالجيش العربي، واستقر فيه حتى وفاته. كان رجلًا نادر العطاء، تكفّل بتربية أبنائه ورعايتهم بعد وفاة زوجته السلطية، وضحّى كثيرًا من أجلهم، ولم يتزوج بعدها ولم يعد إلى السعودية، تاركًا جذوره ممتدة في الأرض الأردنية التي أحبها وعاش فيها. غرس في أبنائه قيم العروبة والإسلام، وزرع فيهم اعتزازهم بتاريخهم وهويتهم وانتمائهم الإنساني والوطني.
وُلد شغف نوف التميمي بالإعلام منذ سنوات دراستها، فكانت الكلمة والصورة والحوار أدواتها في التعبير عن شغفها بالحياة العامة وقضايا الناس. درست في جامعة اليرموك، حيث حصلت على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام عام 1989، وتلقت خلالها تدريبًا مكثفًا في مجالات أخلاقيات الصحافة ونظريات الإعلام وإنتاج الأخبار والقصص عبر الوسائط المتعددة.
ومنذ تلك المرحلة، أدركت أن الإعلام ليس مجرد مهنة، بل رسالة ومسؤولية تجاه المجتمع، فاختارت طريقها بثقة وثبات لتبدأ بعد التخرج رحلتها في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية.
في منتصف التسعينيات، التحقت نوف التميمي بأسرة البرنامج الصباحي الأشهر "يسعد صباحك”، الذي كان بمثابة المدرسة الكبرى التي تخرّج منها أبرز الإعلاميين الأردنيين. على مدى اثني عشر عامًا (1994 – 2006)، كانت التميمي المعدة والمقدمة التي تبث عبر الشاشة طاقة من التفاؤل والنور كل صباح، لتصبح وجهًا مألوفًا ومحببًا لدى الجمهور الأردني والعربي.
ساهمت في تطوير محتوى البرنامج وإعداد فقراته المتنوعة التي تناولت قضايا المجتمع والثقافة والسياحة والفنون وأنماط الحياة. وأجرت مقابلات مع شخصيات بارزة في مختلف المجالات، كما قدّمت تقارير ميدانية حملت روح المكان والناس، مقدمةً الصورة الحقيقية للأردن بكل جماله وتنوعه الإنساني والجغرافي.
ومن أبرز أعمالها إعداد وتقديم البرنامج التلفزيوني "أغانينا"، الذي يُعنى بتوثيق وتأريخ التراث الغنائي الشعبي في الأردن. تميز البرنامج بطابعه الميداني، حيث كانت نوف التميمي تجوب المحافظات لتجري لقاءات مع فنانين وفرق فنية شعبية، وتسلط الضوء على الأغاني والموروث الموسيقي الذي يعكس تنوّع الهوية الثقافية الأردنية.
لم تكن التميمي مجرد مقدمة أمام الكاميرا، بل كانت صانعة محتوى بكل معنى الكلمة، تتابع تفاصيل الإعداد والتحرير وتشارك في رسم الصورة النهائية للبرنامج. وتميزت بقدرتها على العمل تحت الضغط، وبتوازنها بين المهنية العالية والعفوية التي لامست قلوب المشاهدين.
بعد أكثر من عقد من العمل الإعلامي اليومي المتواصل، اختارت نوف التميمي أن تأخذ استراحة مهنية مؤقتة لتكريس وقتها لعائلتها، لكنها لم تبتعد عن روح الإعلام. خلال تلك الفترة، واصلت تطوير مهاراتها عبر الدراسة الذاتية والمشاركة في ورش العمل والندوات المتخصصة في الاتصال الرقمي والإعلام الحديث.
تابعت عن قرب تطورات المشهد الإعلامي العربي والعالمي، واهتمت بتقنيات البث الحديثة وأساليب إنتاج المحتوى عبر المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي. ومن خلال هذا المسار، أصبحت تمتلك رؤية شاملة تجمع بين الإعلام التقليدي والرقمي، مؤمنةً بأن الإعلام الحقيقي اليوم يقوم على التفاعل والمصداقية والابتكار.
تمتاز نوف التميمي بقدرات متعددة جعلتها نموذجًا للإعلامية الأردنية المعاصرة، فهي معدة برامج بارعة، وكاتبة محتوى مبدعة، ومقدمة لبقة تمتلك مهارة التواصل الإنساني والمهني على حد سواء. تعرف كيف تُبسّط المعلومة المعقدة لتصل إلى المتلقي بوضوح ودفء، وتتمتع بروح القيادة والعمل الجماعي، وقدرة عالية على التنظيم وإدارة الوقت، إضافة إلى براعة في العمل تحت ضغط البث المباشر دون أن تفقد هدوءها أو حضورها المتألق.
كما تمتلك مهارات متميزة في التسويق الإعلامي الرقمي وفهم سلوك الجمهور على المنصات الاجتماعية، وتؤمن بأن الإعلامي في العصر الحديث يجب أن يكون باحثًا ومتعلمًا مدى الحياة، يواكب التطورات التقنية والفكرية باستمرار.
اليوم، بعد سنوات من الخبرة والتأمل والنضج المهني، تعلن نوف التميمي عن جاهزيتها للعودة إلى الميدان الإعلامي، بروح جديدة تجمع بين أصالة التجربة ومرونة التجدد. ترى أن الإعلام الأردني ما زال قادرًا على الإبداع والتأثير إذا ما أُتيح له أن يحتضن طاقات الخبرة والشباب معًا، وأن الكلمة الصادقة ما تزال قادرة على أن تُحدث فرقًا في زمن تسوده السرعة والمعلومة العابرة.
بهذه الروح الإيجابية والمهنية الراسخة، تواصل الإعلامية نوف التميمي مسيرتها كأحد الأسماء التي أسهمت في بناء ذاكرة التلفزيون الأردني، ووجهًا من وجوه الصباح الذي لا يُنسى. هي نموذج للإعلامية الأردنية الطموحة التي لم تتوقف عن التعلم والتطور، والتي تؤمن بأن العودة إلى الميدان ليست تكرارًا للماضي، بل انطلاقة جديدة تحمل نضج التجربة ووضوح الرؤية.