يبرز اسم لارا طماش في المشهد الإعلامي الأردني والعربي بوصفه واحداً من الأسماء التي صنعت حضورها بالعمل المتواصل لا بالضجيج، وبالخبرة لا بالمصادفة. إعلامية أردنية من أصول شركسية، جمعت بين الإرث الثقافي العريق والتجربة الإنسانية العميقة، فخرجت إلى الجمهور بصورة المرأة التي تحمل رسالة واضحة وتؤمن بأن الإعلام ممارسة واعية ومسؤولية أخلاقية قبل أن يكون مجرد مهنة.
بدأت رحلتها وهي ما تزال على مقاعد الدراسة الجامعية. ففي سنتها الأولى في الجامعة الأردنية – حيث كانت تدرس علم الاجتماع مع فرع إدارة الأعمال – أعلنت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردني عن اختبار تنافسي لاختيار مقدمات برامج. تقدّمت مع 150 متقدمة، وخاضت امتحانات اللغة العربية والإنجليزية والثقافة العامة واختبار الكاميرا، وكانت الوحيدة التي اختيرت للانضمام إلى المؤسسة. هكذا بدأت الحكاية التي ستمتد لاحقاً لأكثر من ثلاثة عقود.
ورغم صعوبة الجمع بين الدراسة والعمل، واصلت لارا طريقها بإصرار، فكانت تكتب وتُعدّ وتقدّم برامجها، وتتعلم كل يوم خطوة جديدة تثري تجربتها.
شكل برنامج "ستوديو الأطفال” أول ظهور تلفزيوني لها، وهو أول برنامج متخصص للأطفال في التلفزيون الأردني، وقد استطاع بصوتها وأسلوبها أن يترك أثراً في ذاكرة جيل كامل. ومع تثبيت حضورها، انتقلت إلى تجربة واسعة النطاق عبر برنامج "سهرة الخميس”، الذي أصبح لسنوات طويلة جزءاً من طقوس مساء الخميس لدى العائلة الأردنية. كان البرنامج مساحة للحوار والترفيه والفن، وظل مرتبطاً باسمها حتى بعد انتقالها إلى إحدى المحطات الفضائية، إذ عادت لاحقاً لتقديمه مجدداً نظراً لشعبيته الكبيرة.
وخلال هذه السنوات، استضافت شخصيات أردنية وعربية بارزة في الثقافة والفن، بينهم:
محمد عبده، ماجد المهندس، وليد توفيق، عبير عيسى، نبيل صوالحة، هشام يأنس، أمل الدباس، عمر العبداللات، حسين السلمان، هاني شاكر، سميحة أيوب، واسيني الأعرج، تامر حسني، فارس كرم، زاهي وهبة، طلعت زكريا، إدوارد، أحمد زاهر، محمد عساف وآخرون، ما جعل البرنامج منصّة عربية حقيقية لكل ضيف يمرّ عبره.
ثم اطلت عبر برنامج "خليك بالجو”، مقدمة مزيجاً يجمع بين المرح والثقافة والروح العفوية، قبل أن تتوج مساراً جديداً مع برنامج "هذا أنا”، الذي شكّل نافذة توثيقية على حياة رواد المجتمع الأردني في السياسة والاقتصاد والطب والأدب والمجتمع. وقد اعتبر هذا البرنامج مرجعاً مهماً في التعريف بعدد من الشخصيات التي تركت بصمتها في تاريخ الأردن الحديث.
وفي الوقت ذاته، ظهرت لارا مراراً على خشبات المهرجانات الفنية والثقافية داخل الأردن وخارجه، مقدّمة عشرات الفعاليات التي رافقت خلالها حضوراً واسعاً للجمهور.
انتقلت لاحقاً إلى شبكة ART – راديو وتلفزيون العرب، أول محطة عربية فضائية رائدة إلى جانب MBC – وعملت لسنوات من إيطاليا، حيث قدمت برامج اجتماعية وفنية وبرامج مسابقات، وشاركت في تغطيات عالمية من ضمنها فعاليات مهرجانات سينمائية كبرى. كما أسهمت في تطوير قناة "الطرب”، إذ تولت إعداد وتقديم برامج تنسجم مع الهوية الفنية للقناة، وظل بعضها يُعاد عرضُه لسنوات بسبب قيمته وأسلوبه المختلف.
وشملت عملها أيضاً تغطية مهرجانات عربية مرموقة، أبرزها مهرجان جرش، إضافة إلى سهرات فنية عربية مشتركة مع محطات مختلفة.
عادت لارا إلى التلفزيون الأردني بعد تجربتها الخارجية، وقدمت برامج متعددة، قبل أن تستقر في سلسلة من البرامج النسائية التي تطورت تسمياتها ومحتواها عبر السنوات: "حرير”، "أنتِ”، "كوني أنتِ”، ثم العودة مجدداً إلى "أنتِ” بنسخة جديدة تواكب عمليات التطوير في التلفزيون الأردني.
وقد نجحت هذه البرامج في تشكيل واحدة من أبرز المنصات الإعلامية النسائية في الأردن، مع جمهور واسع يتابعها باستمرار.
وكانت لارا أول إعلامية أردنية تُدخل عنصر التواصل المباشر مع الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي ضمن البرامج التلفزيونية، وهو سبق أثمر تكريماً رسمياً تقديراً لدورها الريادي.
ومن محطات مسيرتها اللافتة تقديم برنامج خاص بعنوان "لقاء شعب وملك” بعد عودة جلالة الملك الحسين بن طلال رحمه الله من رحلة العلاج، وهو تكليف يعكس ثقة كبيرة بقدرتها المهنية.
إلى جانب حضورها التلفزيوني، كتبت لارا لسنوات مقالاً أسبوعياً في جريدة الدستور الأردنية، وأعيد نشر عدد كبير من مقالاتها في صحف ومواقع عربية. وفي عام 2018 صدر كتابها "امرأة بذاكرتين”، الذي قدّم جانباً من تجربتها وتأملاتها الإنسانية.
كما تعد من أبرز المدربين الإعلاميين في الأردن، إذ قدمت دورات وورشاً في دول عربية عديدة، وساهمت في تدريب إعلاميين ومنتسبين لبرامج بالتعاون مع جهات محلية ودولية، منها مؤسسات ثقافية ومنظمات تنموية وسفارات عربية وأجنبية.
كونها زوجة دبلوماسي أردني منحها فرصة المشاركة في العديد من الفعاليات الرسمية والثقافية خارج الأردن، حيث قدمت صورة راقية للمرأة الأردنية في الأوساط الدبلوماسية.
كما اختيرت من قبل لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) لتكون الوجه الإعلامي الأردني لمنصة "جسور”، وشاركت في مؤتمرات ومنتديات تعنى بالمجتمع والمرأة والشباب، مستندة إلى حضور مهني مؤثر وخبرة طويلة.
حظيت لارا طماش بتكريمات عديدة من جهات محلية وعربية، بينها اختيار كلية لندن لها ضمن 45 شخصية أردنية قيادية ومؤثرة، إلى جانب تكريمات من جامعات مثل: جامعة الشرق الأوسط، الجامعة الأردنية، جامعة العلوم التطبيقية، وجمعية محترفي الموارد البشرية (أفرا)، ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردني، ونقابة الفنانين الأردنيين، ومؤسسات ثقافية واجتماعية وبلديات. كما حصلت على لقب "السيدة الأردنية القيادية في وسائل التواصل الاجتماعي”، واختيرت وجهاً إعلامياً في مشاريع ترويجية وسياحية منها مشروع "دسما الأردن”.
تحمل لارا ماجستير إعلام بدرجة الامتياز من جامعة الشرق الأوسط، وكانت من أوائل المتفوقين في قسم الإعلام،