بعيدًا عن أمجاد لم يصنعها العرب وحدهم بل كانوا أبرز المسهمين فيها قبل بدء الانحطاط أتى العهد العثماني ومرحلة السيطرة الاستعمارية ليطيلا السبات الاستراتيجي العربي قبل بدء الإرهاصات للمحاولة النهضوية الأولى عشية الحرب العالمية الأولى لكن منذ اتفاق سايكس بيكو و وعد بلفور إلى الحرب ضد العراق في عام 2003 ومرحلة التفكك العربي من ضمن مخاض الربيع العربي منذ بداية العقد الثاني في هذا القرن تزامنت الهجمة الخارجية المستمرة على العرب جغرافيا وتاريخيا وإنساتيا مع فشل دول الاستقلال والمحاولات النهضوية بسبب عدم قيام التحول الثقافي المنشود وإيجاد النموذج الملائم للحداثة على الطريقة العربية يمكن القول ان الاستراتيجيات العربية الرسمية حيال المسألة الفلسطينية أو ابان الحرب الباردة وما بعدها لم يحالفها النجاح وكانت مفخخة من داخلها بعناصر الانقسام والشعور الوطني الضيق أو التبعية للقوة الخارجية عبر تاريخهم المعاصر لم يجمع العرب عناصر قوتهم ومن لا يحسن الحرب لم يحسن في خيارات السلام نظرا لغياب الاستراتيجيات الناجعة وترنح النظام الإقليمي العربي في اثر حرب 1967 قبل القضاء عليه في اثر سقوط بغداد في نيسان 2003 أضاع العرب الخيارات وتحديد اتجاهات البوصلة الإقليمية والدولية ابان الحرب العالمية الأولى وانهيار الامبراطورية العثمانية وخرجوا خاسرين من حبكة إعادة صياغة خريطة الإقليم لم يتنبهوا بقدر كاف إلى حجم ما جرى في الحرب العالمية الثانية (1939 1945) التي كانت آخر مواقع الصراع الكبرى على مسرح التاريخ الانساني حيث صهر العالم كما نعرفه الآن وظهرت القوى الغالبة في هذا العصر وكانت الولايات المتحدة الأميركية هي القوة التي انتصرت في تلك الحرب وكان شريكها الأكبر في تحقيق النصر هو الاتحاد السوفياتي لكن وسيلة النصر لدى كل منهما حددت وحسمت أيهما يملك الزمان الجديد أو على الأقل يسيطر عليه لكن الحرب الباردة حسمت الأمر لمصلحة واشنطن ودفع العرب الثمن خلال الحرب الباردة كما في ترتيبات ما بعدها إثر حرب الخليج الثانية التي سببها الغزو العراقي للكويت والتي تزامنت مع سقوط الاتحاد السوفياتي وهذا الإخفاق في الترقب والمتابعة الاستراتيجية عند اللاعبين العرب ربما يتصل بتهميش التفكير الاستراتيجي في بلاد العرب ليبقى مهيض الجناح من دون ميزانيات كافية وبيئة حرة وطبقة سياسية تعلي المصلحة العامة على الاختلافات والتفرقة في مواجهة المخاطر والتحديات. وصياغة الاستراتيجيات لا يمكن أن تأتي من فراغ أو تبعا لرغبة أو نزوة الحاكم بل يجب أن يتوج مسارا يجمع بين التفكير والتدبير والواقعية السياسية ولهذا نستنتج ندرة في الفكر الاستراتيجي في البلدان العربية والقليل من المفكرين أو الضالعين في هذا الشأن ومن دون شك تلعب عوامل التفكك والتفرقة والتبعية والغيبية الاسطورة الدينية دورا أساسا في حالة غياب الوزن الاستراتيجي وغياب الرؤية الاستراتيجية ويتفاقم ذلك مع غياب المشروع الاستراتيجي العربي المشترك في مواجهة المشروعات الاقليمية والخارجية الأخرى، ويسري أمر الانكشاف الاستراتيجي على غياب المشروعات الاستراتيجية الخاصة بالأمن الوطني لدول بمفردها ومنها الدول التي كانت يومًا دول المواجهة مع إسرائيل أو الدول التي تعاني التوسع الإيراني أو تلك التي تواجه التحديات حول مصادر مياهها أو ممراتها والآن في حقبة الزمن الرديء يتأكد الانكشاف الاستراتيجي العربي من حوض وادي النيل تهديد الأمن المائي والاستقرار من أزمات السودان إلى سيناء وليبيا إلى حروب سورية والعراق التي تنخر في المشرق الذي تبقى فيه الدولة الفلسطينية سرابا مرورًا بمنطقة شبه الجزيرة العربية التي تتعاظم حولها المخاطر من حرب اليمن إلى أمن الخليج ووضع سوق الطاقة ولا تشذ الدول العربية في شمال أفريقيا والقرن الإفريقي عن تداعيات غياب الحصانة الذاتية في أكثر من مكان ومساعي القوى الإقليمية والعالمية الأخرى لفرض معادلاتها على مقاربات أمن المواقع العربية في غياب الحد الأدنى من آليات الاندماج نتيجة انهيار كثير من الدول المركزية وغياب الرغبة في التنسيق بين بعضهم وعدم حسن استخدام عناصر القوة عند بعضهم الآخر.