وُلد الإعلامي صالح العبد اللات في مدينة السلط عام 1955، ونشأ في بيئة عائلية محافظة وناشطة تجاريًا، حيث كان والده يعمل في التجارة، ما أسهم في تنقله المبكر إلى العاصمة عمان برفقة عائلته. هناك، بدأت تتشكل ملامح شخصيته المتعددة: الطالب النشيط، والرياضي الموهوب، والإعلامي القادم من شغف لا يُحد.
تلقى العبد اللات تعليمه الأساسي في مدرسة النصر الإعدادية، ثم واصل دراسته الثانوية في مدرسة الفتح الثانوية الواقعة في منطقة المحطة، حيث بدأت ملامح موهبته الرياضية في كرة القدم تظهر بوضوح، إذ لعب في فرق المدارس وتميّز بمهاراته العالية. لم تلبث موهبته أن انتقلت من الملاعب المدرسية إلى الأندية الرياضية، فبدأ في نادي عين كارم خلال سبعينيات القرن الماضي، ثم التحق عام 1977 بـ النادي الأهلي، أحد أعرق الأندية الأردنية.
لاحقًا، انتقل للعب مع النادي الفيصلي، الفريق الأكثر جماهيرية في البلاد، ثم أنهى مشواره الرياضي في نادي النصر. لم تكن كرة القدم وحدها حاضرة في مسيرته، فقد كان أيضًا عضوًا في اتحاد الكرة الطائرة، ما يعكس تعدد اهتماماته ونشاطاته الرياضية.
بدأ الإعلامي صالح العبد اللات مسيرته المهنية في الإذاعة الأردنية في يونيو عام 1973، حيث التحق أولًا بقسم الرصد الإخباري، وهو القسم المعني بمتابعة نشرات الأخبار والتقارير السياسية المحلية والعربية والدولية. شكّلت هذه المرحلة تأسيسًا مهمًا لصقل مهاراته الإعلامية من حيث المتابعة الدقيقة والتحليل السريع والتعليق الواعي على الأحداث.
في عام 1974، انتقل العبد اللات إلى القسم الرياضي في الإذاعة، ليبدأ فصلًا جديدًا من مسيرته الإعلامية، وليصبح أحد أبرز الأصوات التي شكّلت ذاكرة الرياضة الأردنية المسموعة. برز من خلال أسلوبه الهادئ والدقيق في التغطية، وقدرته على وصف تفاصيل المباريات ومجريات البطولات بطريقة مشوّقة ومهنية.
أشرف وشارك في إعداد وتقديم عدد كبير من البرامج الرياضية، من أبرزها برنامج "المجلة الرياضية"، الذي كان يُبث أسبوعيًا عبر أثير الإذاعة الأردنية. بلغ عدد البرامج التي كان يشارك فيها أسبوعيًا نحو 23 برنامجًا رياضيًا، بمجموع ساعات بث يصل إلى ثماني ساعات أسبوعية، تناولت أحداث الدوري الأردني، المستجدات العربية، وتحليلات للقاءات الفرق الكبرى.
إلى جانب عمله كمقدّم برامج، كان صالح العبد اللات أيضًا معلقًا رياضيًا ومراسلًا ميدانيًا. تولّى تغطية العديد من مباريات الدوري الأردني ومباريات المنتخب الوطني، مقدمًا تقارير حية من الملاعب، وناقلًا أجواء المنافسات إلى المستمعين بأسلوب احترافي. تميزت تعليقاته بالحيادية والرصانة والقدرة على دمج المعلومة بالتحليل.
لاحقًا، تقلّد رئاسة القسم الرياضي في الإذاعة الأردنية، وهي مرحلة عكست نضجه المهني وخبرته المتراكمة، حيث عمل على تطوير المحتوى الإذاعي الرياضي، وإدخال أفكار جديدة في أساليب التقديم، وتوسيع قاعدة المراسلين والمتابعين للأنشطة الرياضية في مختلف المحافظات.
بموازاة عمله الإذاعي، مثل العبد اللات الإذاعة الأردنية في عدد من الأنشطة والاتحادات الإعلامية الرياضية، وكان عضوًا فاعلًا في اتحاد الإعلام الرياضي الأردني، وشغل منصب أمين الصندوق، إلى جانب مشاركته في دورات تدريبية احترافية في مجالي التعليق الرياضي وفنون الإلقاء، ما عزز حضوره كإعلامي متمرس ومؤثر.
مثّلت تجربة صالح العبد اللات في الإذاعة الأردنية نموذجًا للإعلامي المتكامل؛ بدأ بالرصد السياسي، ثم تألق في المجال الرياضي، مقدّمًا عشرات البرامج والتعليقات والتقارير التي لا تزال حاضرة في ذاكرة المستمعين. وبفضل صوته الواثق، وأسلوبه الموضوعي، ورؤيته التطويرية، ساهم في ترسيخ ثقافة إعلامية رياضية واعية، تركت أثرًا في الأجيال اللاحقة من الإعلاميين.
عرف عن صالح العبد اللات اتزانه وأخلاقه العالية، حيث ظل بعيدًا عن الخصومات الإعلامية التي ميزت بعض فترات العمل الإعلامي، وتمسك دائمًا بالموضوعية والصدق في ما يقدمه. شارك في دورات عربية ودولية متخصصة بالإعلام الرياضي، وكان له حضور فاعل في اتحاد الإعلام الرياضي الأردني.
كما عرف بعلاقاته الطيبة مع زملائه الإعلاميين والرياضيين، حيث كان يجمع بين التواضع والكفاءة، وساهم في تغطيات مباشرة وبث مباريات ومناسبات وطنية ورياضية، جعلته صوتًا مألوفًا للمستمعين في الأردن وخارجه.
ما يميز تجربة صالح العبد اللات هو أنه لم يكن إعلاميًا تقليديًا، بل حمل خلفية رياضية حقيقية، فكان يفهم لغة الملاعب كما يفهم لغة الميكروفون. هذه الثنائية جعلته من القلائل الذين استطاعوا أن يقدّموا مادة إعلامية رياضية واقعية، بعيدة عن التهويل أو الاستعراض، وقريبة من الجمهور الذي أحبه واحترم تجربته.
صالح العبد اللات هو واحد من الأصوات التي أثْرت الإعلام الرياضي والإذاعي في الأردن، ونجح في أن يكون جسرًا بين الموهبة والانضباط، وبين الصوت والملعب. مسيرته التي بدأت من شوارع السلط ومدارس عمان، مرورًا بالملاعب والميكروفونات، تعكس صورة إعلامي رياضي متكامل، قدم الكثير للإعلام الأردني والرياضة الأردنية، وظل رمزًا للأداء الهادئ والرسالة الصادقة.