تمرّ بنا في الحياة خيبات تترك في القلب أثرًا عميقًا، قد نراها في بدايتها كجرحٍ موجع، لكن مع مرور الوقت نكتشف أنها لم تكن سوى ضرورة مُلحّة تعيد ترتيب وعينا وتكشف لنا حقيقة أنفسنا ومن حولنا.
بعض الخيبات تأتي لتسحب الستار عن وجوهٍ كنا نعتقد أنهم سندٌ دائم. لولا تلك الصدمات، لبقينا نعيش في وهم العلاقات المطلقة، نمنح الثقة بلا حدود ونحمّل الآخرين دور المنقذ. لقد جاءت لتخبرنا أن السند الحقيقي يبدأ من الداخل، من قوةٍ نصنعها بأنفسنا لا من وعود الآخرين.
وهناك خيبات تغلق فصولًا مكرّرة من حياتنا، فصولًا طال انتظار نهايات مختلفة لها، لكنها تأبى أن تتغيّر. تلك النهايات القاسية كانت الحل الوحيد، فهي كتبت بوضوح أن بعض القصص خُلقت لتتوقف لا لتكتمل. ومع كل إغلاق، يولد فصل جديد أكثر وعيًا ونقاءً.
تأتي بعض الخيبات كمعلمٍ صامت، يزرع فينا الإحساس العميق بقيمتنا، ويوقظ فينا حسّ المسؤولية عن اختياراتنا. هي الفرصة التي تعلّمنا كيف نصون حدودنا، ونميز بين ما نستحقه وما يجب أن نتركه، حتى وإن كان ما نتركه يومًا عزيزًا على قلوبنا.
قد تبدو الخيبة في لحظتها كظلامٍ دامس، لكنها الظلام الذي يمهّد لبزوغ النور. فالعتمة وحدها تكشف لمعان الضوء، وتمنحنا بصيرةً ناضجة لنرى ما كنا نتجاهله. وحين نلتفت إلى الوراء، نكتشف أن ما اعتبرناه خسارة كان في جوهره إنقاذًا، وأن الألم الذي أوجعنا كان الجسر إلى حياةٍ أصفى وأصدق.
إنها ليست عدوًا كما نتصوّر، بل رسائل الحياة لتقول لنا: «هنا كان يجب أن تتوقف، وهنا كان عليك أن تختار نفسك». هي محطات عبور لاختبار صلابتنا وصقل وعينا وإعدادنا لأيامٍ أكثر إشراقًا.
حين أستعيد تفاصيل تلك المراحل، أتذكّر وجوهًا وأصواتًا ومواقف ما زالت تعيش في ذاكرتي. لم تكن الخيبات مجرد عناوين عامة، بل محطات واقعية أعادت تشكيل مساري المهني والشخصي.
بعضها جاء في بيئات عمل مختلفه، وبعضها في علاقات ظننت أنها ثابتة. كل خيبة حملت معي رائحة المكان وصوت اللحظة، ومعها فهمٌ أعمق لقيمة أن تختار نفسك، مهما كان الثمن.