في مرحلة فارقة من تاريخ القضية الفلسطينية، بعد اليوم الذي غيّر وجه الشرق الأوسط في السابع من أكتوبر، تأتي القارة العجوز لتعترف بـ”شبه دولة فلسطين”. هذه القارة التي كانت أحد الأسباب الرئيسية في زرع ما يُسمى بالسرطان الصهيوني في الوطن العربي، ذلك السرطان الذي يتوسع في جسد الأمة العربية لحظة بعد لحظة.
اعترفت المملكة المتحدة بفلسطين بعد أكثر من مئة عام من وعد بلفور، كما اعترفت فرنسا التي دعمت الاحتلال منذ تأسيسه وشاركت في "الحروب اليهودية” وحلم إسرائيل الكبرى. ليصبح بذلك عدد الدول المعترفة بفلسطين وحق وجودها 157 دولة لكن هذا الاعتراف الأوروبي ليس خاليًا من الشروط؛ فهو اعتراف مشروط. الشروط تتمثل في أن تكون فلسطين شبه دولة منزوعة السلاح، وأن تعترف الدول العربية بالكيان الصهيوني. بمعنى آخر، يتم تقديم اعتراف لشبه دولة بلا أنياب مقابل تطبيع الدول العربية مع ما يُعتبر السرطان الصهيوني.
إلا أن أهمية الاعتراف الأوروبي لا تتوقف عند الجانب السياسي وحده، بل تتعداه لتكون ضربة للسردية الصهيونية. الحرب بين الصهاينة والعرب والمسلمين هي حرب سردية وقصصية منذ تكوّن أول خلية للكيان الصهيوني، حيث كانت السردية الصهيونية متفوقة بسبب الدعم الغربي من حكومات وإعلام، وقلة اهتمام العرب بتصدير سرديتهم. هذا أدى إلى تصوير إسرائيل كدولة الحرية والديمقراطية وقطعة من أوروبا في العيون الغربية.
لكن بعد السابع من أكتوبر، بدأت معركة السردية تأخذ مسارًا مختلفًا. أصبحت السردية الفلسطينية أكثر قوة، مستفيدة من الجيل الشاب في الغرب وأوروبا وأمريكا، وهو الجيل الذي أجبر حكوماته على الاعتراف بفلسطين. لذلك، من المتوقع أن تكون القضية الفلسطينية بعد السابع أكتوبر مختلفة تمامًا عن القرن السابق من عمرها.