تُطرح تساؤلات كثيرة حول الحادثة التي شهدتها الجامعة مؤخرًا: لماذا وُجّه اللوم إلى الطالب الذي فقد نفسه؟ ولماذا سارعت بعض المنصات الإعلامية إلى وصف ما حدث بأنه مشاجرة عشائرية، وليست مشاجرة طلابية؟ ما الهدف من هذا التوصيف؟ هل هو لإثارة الفتنة؟ أم لإحياء المشكلة من جديد؟ أم للإساءة إلى العشائر الأردنية ومنظومتها الاجتماعية؟
اللوم على الطالب وحده أمر غير منطقي، لأن الطالب جزء من المنظومة الاجتماعية، وأي إنسان قد يتعرض لأي موقف أو مشاجرة في أي مكان وزمان، بغض النظر عن طبيعتها. التركيز على اتهام الطالب وحده يخلق ظلماً واضحاً، لأن من يوجه الاتهام اليوم قد يجد نفسه غدًا في الموقف ذاته، فيُتهم ويُعاقب دون أن تُسمع روايته أو تُفهم ظروفه.
أما المسؤولية الكبرى فتقع على الأمن الجامعي، الذي يعاني من غياب واضح في الرقابة والتنظيم، وكان أحد الأسباب المباشرة لما حدث. فمنذ بداية العام الدراسي، لم تكن هناك أي إجراءات دقيقة على بوابات الجامعة؛ فالدخول والخروج كانا مفتوحين للجميع، سواء للطلبة أو لغير الطلبة، دون أي تدقيق أو ضبط حقيقي. هذا التسيّب الأمني سمح بدخول أطراف لا علاقة لها بالجامعة.
الأمن الجامعي يفترض أن يكون خط الدفاع الأول عن استقرار الحرم الجامعي، لكنه في هذه الحادثة أثبت وجود خلل إداري وأمني خطير يستوجب المراجعة والمحاسبة، لأن غياب الرقابة خلق بيئة خصبة للمشاجرات وسوء الفهم، بدل أن يكون عامل حماية وتنظيم.
وفي المقابل، لا يمكن تجاهل الدور السلبي لبعض المنصات الإعلامية التي تعاملت مع الحدث بطريقة غير مهنية. فبدلاً من نقل الحقيقة كما هي، اختارت بعض الجهات الإعلامية أن تُضفي على المشاجرة طابعًا عشائريًا، متجاهلة أنها في الأصل مشاجرة طلابية داخل جامعة. هذا التوصيف المضلل أسهم في تأجيج الرأي العام وإثارة الحساسية بين أبناء المجتمع، كما شكّل إساءة واضحة للعشائر الأردنية التي تمثل ركيزة من ركائز الأمن والاستقرار في الوطن.
لذلك، من الضروري أن تكون هناك رقابة صارمة على المنصات الإعلامية، لضمان التزامها بالمصداقية والمهنية، ومحاسبة كل من يتعمد تضليل الرأي العام أو نشر أخبار تثير الفتنة والانقسام. فقد لاحظنا في الآونة الأخيرة تكرار هذه الأخطاء في تغطية الأحداث داخل الأردن وخارجه، ما يدل على وجود خلل حقيقي في الوعي الإعلامي والمسؤولية الاجتماعية لبعض المنصات.
وفي النهاية، المطلوب اليوم إعلام مسؤول وأمن جامعي منضبط. فالمشكلة ليست في الطالب وحده، بل في منظومة تحتاج إلى مراجعة ومحاسبة شاملة. هدفنا ليس الاتهام، بل الإصلاح، حتى لا تتكرر مثل هذه الحوادث، ويبقى الحرم الجامعي بيئة آمنة للعلم والحوار، لا ساحة للتوتر أو الفتنة