منذ بداية الخليقة الرسمية الأردنية، لم يعاد الأردن أي دولة أو نظام عربي، سوى ما تفرضه الأحداث والمعطيات السياسية والأمنية أحياناً، فكانت هناك مقاطعة ومنع لسفر الأردنيين لدولتين مجاورتين نهاية السبعينات وبداية الثمانينات الماضية، هما العراق وسوريا، وذلك على خلفية إعدامات وسجن لطلبة أردنيين، كانت تلك الحقبة العنترية في ظل نظامين قمعيين لمن يعارضهما، ومع ذلك كانت العراق وسوريا من أكثر وأهم الدول التي استوعبت الطلبة الأردنيين في جامعاتهما مجاناً، وكانت هناك شخصيات أردنية موالية للنظامين تلعب دوراً أكبر من الحكومة معهما، فيما كانت إيران «الشهانشاهيه» واحدة من أقرب الدول للأردن والشاه رضا بهلوي من أعز الأصدقاء.
تلك أمّة خلت، وجاء بعدها عالم الفوضى السياسية التي قادت المنطقة إلى حروب دامية، وكان الأردن دائماً يلعب دور الدفاع المدني، إما يسعف أو يتوسط بين الخصوم متكئاً على منظومة رجالات الحكم في عهد الملك الحسين، والذين كانت علاقاتهم متمددة مع الأنظمة العربية في سوريا والعراق والسعودية كدول مجاورة لها وزنها، وأي خلاف بين عمان وأي عاصمة عربية تجد شخصية وطنية من رجالات الدولة تتدخل في إسناد خلفي لتسهيل إعادة العلاقات، ثم يأتي دور الملك لإعادة تطبيع العلاقات مجدداً، وللعلم لا يزال بعض من أولئك الرجال على قيد الحياة بيننا.
اليوم يقف الأردن حائراً ما بين علاقاته التاريخية مع دول شقيقة لا تزال أنظمتها تنبض بحياة الأوائل من رعيلها الأول، وقد وقعت شبهة الخلاف معها على قضايا الأردن التاريخية، وما بين خصومهما السياسيين في دول أخرى الذين لنا تاريخ من المقاطعة رغم حسن الجوار ولزوم الجغرافية والمصالح العليا والشعبية وتداخل الأنساب وشراكة السبل البرية والمائية والجوية معها، ومع ذلك يتخذ الأردن موقفاً محايداً من عديد القضايا الخلافية بينهم وهو ليس طرفاً ولا سبباً فيها.
لنأخذ سوريا النظامية مثلاً، فحتى بداية إندلاع الصراع فيها، كان الأردن سباقاً لرأب الصدع وتقديم النصح والمشورة والدعم غير الرسمي لإحتواء الأزمة وما بعدها، ولو تركت الأمور بين الكبار لكان من الممكن إيجاد حل ما، ولكن تدخلات القيادات العسكرية هناك بالقرار أجج الأزمة، وأصاب القيادة بالرعب، وتلك القيادات كانت تريد الحفاظ على مصالحها التاريخية بالاستبداد، وانتهينا اليوم إلى عدم وجود سفراء في السفارتين بعمان ودمشق رغم فتح أبوابهما، وكذلك الحال في دولة قطر التي خرجت من حلفها الخليجي بخلافات مع أشقائها، فتم تخفيض التمثيل الدبلوماسي رغم حسن العلاقات بين الدولتين، أما إيران فلا سفير لنا هناك مع أن وجوده وعدمه لا يعني الكثير، فدور إيران معروف بدور المحرض والدافع والداعم ثم يتبرأ من ذلك.
السؤال هنا بعد كل هذه «الدحيّة»: هل سنرى قريباً سفراءنا يعودون للدول المذكورة، وهل العلاقات ستتحسن دعماً لتحسين الأوضاع الاقتصادية التي باتت خانقة لبلدنا، أم أن الطريق طويل؟