على بعد 30 دقيقة من العاصمة عمان، يمتلك الأردن إحدى النوادر في العالم، وهي أخفض بقعة عن مستوى سطح البحر/ منطقة وادي الأردن؛ إذ تنخفض الجغرافيا هناك إلى نحو 420 مترا عن مستوى سطح البحر، بيد أن الأردن أيضا أنشأ هناك أول متحف يختص بطبيعة البحر الميت النادر والوحيد على مستوى العالم ويستطيع الزائر أن يتعرف في المتحف إلى كثير من التاريخ الفريد، وطبيعة المكان.
وفي زيارة إلى متحف بانوراما البحر الميت، يعود التاريخ بالزائر إلى نحو 17 مليون سنة، وهي بداية نشأة وتكوين البحر الميت الفريد من نوعه الذي لا شبيه له على مستوى العالم، وتأخذك تفاصيل وأقسام المتحف إلى معرفة تفاصيل الطبيعة التي تسود في أخدود وادي الأردن بشكل عام.
على باب المتحف، بدأ مديره إبراهيم الشياب في سرد كل التفاصيل التي لا يعلمها كثيرون، مؤكدًا أنه فريد من نوعه ويروي التاريخ الطبيعي للبحر الميت قبل نشوئه وبعد ذلك وحتى اليوم، ويشير إلى ما ينتظر مستقبله وهو أول متحف يتحدث في طبيعة الأشياء وطبيعة البحر الميت الذي لا يوجد لا شبيه أو مثيل له في العالم.
وبين الشياب أن المتحف ينقسم إلى أربعة أقسام، يروي أحدها جيولوجية البحر الميت وكيف تكون، حيث إنه وفي البداية كانت الصفيحة الأرضية العربية جزءا من الصفيحة الأفريقية وانشقت العربية عن الأفريقية لتشكل صفيحتين تتجه كلاهما باتجاه الشمال، ومقدار الإزاحة الذي حصل بين الصفيحتين وصل إلى 107 كيلو مترات، وهذا الشق أو الإزاحة نتج عنه بقع مائية من أهمها البحر الأحمر والميت، وأصبح البحر الميت يتسع يوميا مساحة، وليس منسوب المياه.
وأكد أن هذا الجزء أيضا يحوي على مجموعة من أنواع الصخور الموجودة بمنطقة غور الأردن كاملة وكيفية تكون هذه الصخور وعمرها ومكان تكونها والمعلومة المهمة تشير إلى أن أصل البحر الميت هو بحيرة تسمى بحيره اللسان لكن قبل نشوء البحر كان هناك بحيره تسمى بحيرة الأصدم، والتي تتغذى من البحر الأبيض المتوسط نتيجة لارتفاع هذه البحيرة.
وأشار إلى أنه وبعد انخفاض منسوب البحر الأبيض المتوسط توقفت هذه البحيرة وظهرت قبل مليوني سنة بحيرة تسمى الأصدم أو الشاغور، وهذه البحيرة كانت تتغذى من المياه العذبة مما سمح لنوع من الأسماك للعيش في هذه البحيرة تسمى السمرة أو الشاغور، ثم بعد ذلك نشأت بحيرة البحر الميت والتي عاصرت عصرين جليديين قبل 72 ألف سنة وقبل 22 ألف سنة.
ولفت إلى أن هناك بحيرة اللسان والتي كانت تمتد من بحيرة طبريا حتى جنوب البحر الميت بـ15 كيلو مترا لكنها اليوم انقسمت إلى ثلاثة أقسام جزء جاف تماما، والثاني هو بحيرة طبريا والثالث هو بحيرة البحر الميت.
وأشار إلى أنه عندما تنخفض نسبه ملوحة البحر الميت قليلا فهذا يسمح بنمو نوع من أنواع البكتيريا والتي تجري من نهر الاردن إلى البحر الميت وتعيش لأعوام قليلة وتسمى محبات الملح وتعيش على شكل خطوط من 50 إلى 100 متر على سطح البحر الميت.
وأضاف أن المتحف يوثق لموجودات البحر الميت وأهمها أن الأنباط هم أول من عرفوا كيف يستفيدون من البحر الميت. وصدروا ماده البتيومن أو القار أو الإسفلت، وهذه المادة الشمعية البترولية الصلبة كانت عنصرا أساسيا بالتحنيط. وهذا ما وُجد في عيون المومياء في مصر.
وأوضح أنهم وجدوا بعضها على بعض السفن التي تعود للحضارة البابلية استخدمت كطلاء لعزلها عن الماء ووجدت في عيون بعض التماثيل اليوجتس الموجودة في عين غزال بالعاصمة عمان.
وأشار إلى الجزء الخاص الذي يروي حاضر ومستقبل البحر الميت ويطلق عليه بأنه الجزء الحزين في المتحف، لأنه يخبرنا أن البحر الميت يواجه صعوبة في بقائه وديمومته، وأمام أعيننا، حيث إن نسبه جفافه من 80 الى 90 سنتمترا.
وبين أن أسباب ذلك عديدة أهمها الاستخدام البشري الجائر وهو العامل الصناعي باستخراج المعادن من البحر وهذا العامل أدى إلى جفاف الجزء الأخير منه وهو اللسان، والجزء الأخير منه والذي جف بسبب استخدام المزارعين المياه العذبة، إذ ظهرت بسبب ذلك ما يسمى بالحفر الغاطسة.
ويكشف الشياب عن لوحة معلقة على جدار المتحف في بدايته مليئة بالمعلومات والتي تبين بأنها ساعة الأرض وهي التي تشير إلى بداية الارض على شكل دقائق وساعات وبداية أول إشارة على هذه الأرض وكانت في الساعة 6 مساء.
ويبين المتحف أن ساعة الأرض تشير إلى أن ظهور البحر الميت كان قبل منتصف الليل بـ7 دقائق وهذا يعني أن وجوده كان منذ قديم الزمان ومنذ بداية حركه الصفائح وتشكل هذه البقع المائية كان البحر الميت أول التشكلات التي حدثت قبل 17 مليون سنة تقريبا.
آثار لأقدام ديناصورات يشاهدها الزائر على بوابة المتحف يشير إليها الشياب بأنها دليل على أقدم الديناصورات التي كانت قبل ملايين السنين، ثم تتغير إلى حيوان البدن والماعز الجبلي لتشير إلى أنواع حديثة من الحيوانات، وفي الجزء الثالث يوجد بصمات الإنسان عبر الحضارات التي تعاقبت على البحر الميت.
وقال، إن شكل البحر الميت يخضع إلى دراسة مستمرة وفي هذا المتحف هناك دراسة لمستقبل البحر الميت من عام 1953 وحتى 2400 والتي تشير إلى أنه سيبقى جزء صغير من البحر الميت، إذا لم يتم إنقاذه بمشروع ناقل البحرين وهو نقل المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت.
وبين أن منطقة البحر الميت توجد بها أعلى كمية أوكسجين في العالم وهذا يفيد حتى للناس التي تعاني من أمراض رئوية عندما يزورون البحر الميت يشعرون بشعور مختلف ولا يحتاجون لأي علاجات يستخدمونها بالأيام العادية، لأن نسبة الاوكسجين عالية.
وفي أحد أقسام المتحف يشير الشياب إلى النظام البيئي للبحر الميت والمعلومة الأساسية في هذا الجزء أن غور الأردن جزء من القارة الأفريقية بنباتاته وحيواناته وجميع الكائنات التي تعيش فيه هي ذات أصل أفريقي كان يوجد النمر سابقا، واليوم يوجد الماعز الجبلي وموجود الوبر والثعالب المخططة والضباع وهذه جميعها ذات أصل أفريقي.
وأكد أن البحر الميت هو قطعة نادرة في العالم كافة وهذه القطعة يجب المحافظة عليها ولا يمكن أن تحصل على نسبه أملاح ومعادن في مياه أي بحر كالتي توجد في هذا البحر الموجود على الأرض الأردنية، وطين البحر علاجي واستشفائي وعديد من سكان أوروبا وخصوصا أوروبا الشرقية يأتون للبحر الميت ويستخدمون هذا الطين لعلاج بعض الأمراض الجلدية التي يعانون منها.