على مر العصور، أثارت الهياكل القديمة في منطقتنا العربية دهشة العلماء والمستكشفين على حد سواء، إذ تعتبر الأعمدة الحجرية العملاقة في معابد بعلبك بلبنان واحدة من أبرز هذه المعجزات المعمارية التي تطرح العديد من الأسئلة حول كيفية بنائها.
في إحدى الصور الشهيرة، يظهر معبد بعلبك بارتفاع أعمدته الشاهقة مقارنةً بطول الإنسان الحديث. إذا كان متوسط ارتفاع الصبي والفتاة المراهقين أمام قاعدة الأعمدة يبلغ حوالي 1.5 متر، فإن ارتفاع كل عمود يُقدر بحوالي 16.5 متر. كيف تمكن بناة هذه الأعمدة من قطع هذه الحجارة الضخمة وتصميمها ونقشها بهذه الدقة المدهشة؟ وما هي العلوم التي كانوا يمتلكونها والتي سمحت لهم بإنجاز مثل هذه الأعمال الهائلة؟ وكيف تمكنوا من رفع تلك الحجارة العملاقة التي تزن مئات الأطنان إلى هذا الارتفاع؟
هذه الأسئلة تفتح الباب أمام العديد من الفرضيات والتكهنات، بعضها يشير إلى أن تلك الحضارات كانت تمتلك معرفة وعلوم متقدمة تم إخفاؤها أو طمسها عبر التاريخ، كما يزعم البعض أن تاريخهم المزوّر أراد إخفاء حقيقة أن تلك الحضارات كانت غريبة عن كوكبنا وأن الحضارة العربية كانت هي السائدة منذ فجر التاريخ.
إن فكرة سرقة الحضارة العربية ونسبها إلى شعوب لم تعرف الحضارة يومًا، تجد مناصريها بين أولئك الذين يرون أن الآثار والمنشآت المعمارية في بلادنا العربية تتفوق من حيث الدقة والفن والجمال على تلك الموجودة في شمال المتوسط. فالحضارة، حسب هؤلاء، انتقلت من أرضنا إلى الشمال، وليس العكس، بل إن بعض مدن شمال المتوسط تم بناؤها من قبل المهاجرين القادمين من الجزيرة العربية. أما الغزاة، الذين حاولوا فرض أنفسهم كمؤسسين للحضارة، لم يكونوا سوى مخربين بعيدين عن معاني الحضارة الحقيقية.
إن معابد بعلبك وغيرها من الآثار في بلادنا العربية هي شاهد حي على عظمة الحضارة التي نشأت على هذه الأرض، وعلى العلوم والمعارف التي تم تطويرها هنا قبل آلاف السنين. وبينما يحاول البعض طمس هذه الحقائق أو تغيير مسار التاريخ، تبقى هذه الآثار حاضرة لتذكرنا بأصالتنا وتفوق حضارتنا التي تستحق كل فخر واعتزاز.