(1)السبت 16/9/2006 نعم لقد كان الأمر قدراً مقدوراً. وإن بدا للآخرين أنه محض صدفة عندما التقيت مجموعة من شباب العبابيد في منزل أحد الأخوة في أم عبهرة/ مرج الحمام ،
(2) حيث أخبرني المعزب السيد فلاح غالب الحسامي أنه التقى مجموعة كريمة من عشائر الزوايدة في منطقة الديسة ورم بجنوب الاردن ، وأنهم يرغبون اللقاء بي شخصيا وليس بأحد من الناس سواي، للتحدث الي عن عشيرتهم الكريمة ، التي لم أفصّل عنها في كتبي السابقة ،
(3) قلت له : حبّاَ وكرامة، وأنا على استعداد ، وطلبت اليه ان يسلك مبدأ : خير البر عاجله، وان يجري الاتصال حالاً بصديقه الضابط بالأمن العام م / 1 صالح الزوايدة ، وكذلك كان، وتم الترتيب للرحلة في يوم السبت الذي يأتي مباشرة بعد اللقاء .
(4)وافق ولدنا البشر يحفظه الله أن يرافقني في هذه الرحلة، ومعه ابن عمه محمد منصور العويدي. فعلاقتي مع اولادي هي علاقة الصداقة، ولا اجبرهم على شيء، وانما اعرض عليهم رأيي، وهم اصحاب القرار فيما يخصهم، وهم اصحاب المشورة فيما يخصني ايضا. نحن اصدقاء قبل ان اكون والدهم ويكونوا ابنائي ، هكذا علمتهم وهكذا ارتحت وارتاحوا في علاقتنا معا.
(5)في صباح يوم السبت 16/9/2006 انطلقت وولدنا البشر رعاه الله ومعنا محمد منصور، ومررنا بفلاح غالب الحسامي في بلدة ام عبهرة، حيث يسكن، وسرنا الأربعة باتجاه الجنوب في يوم نديٍّ طيّب، نتحسس فيه نسائم الماضي والحاضر.
(6)ونستقبل نغمات المستقبل التي تعزف على أوتار الحزن تارة والفرح تارة أخرى، والامل تارة والالم تارة اخرى. كنت اقود سيارتي بنفسي، مما يريحني من الهواجس ويسمح لفكري ان يتألق في خياله او واقعه.
(7)لقد كانت ( أقول كانت ) هذه الأرض الأردنية من مرج الحمام إلى ضبعة التي تقع جنوب عمان بأكثر من اربعين كيلو مترا، على الطريق الصحراوي، كانت مروجاً أردنية تكسوها مزروعات القمح والشعير والحمص والعدس والأعشاب البرية، من كل نوع، وذلك قبل سنوات لا تساوي عمر رجل بسني، ثم زحف عليها التصحر الحجري المتمثل بأكوام الحجارة والإسمنت المسلح، والعمائر التي تحتاج إلى خدمات، ولا تؤدي هذه البنايات أية خدمات سوى الإيواء والزينة والتطاول في القصور والبنيان .
(8) لقد تغير أديم الأرض الأردنية، وصار ملاذاً آمناً لكل من سُلب الأمن والأمان في بلاده ، ولكنهم لا يذكروننا بخير ابدا، فهم في منتهى الجحود والعقوق، وصارت الأردن وطناً لكل من لا وطن له، وهوية لكل من لا هوية له.
(9)ان أي أردني مخلص، وانا أحدهم، لا يسره ضياع الأرض والوطن والهوية والشرعية ، ولا تغريه هذه الأكداس البشرية الهائلة التي حطت رحالها في أرض الأردن، ولا يسعده انتشار وعلو الأكوام الإسمنتية والحجرية المسماة العمائر، لان الوطن لا يعمر الا باهله، ولا يزدان الا بسواعدهم وقلوبهم ووجوههم وعقولهم، وليس بالطيور المهاجرة ولا المشاريع العاثرة
(10) إن الذي يسرُّ واحداً مثلي، أن يرى الاردن لأهله، سواء أكان وطناً من الملح أو الصخر أو البادية أو الصحراء أو الغابات الخضراء أو الغبراء او المدن، او المروج التي لا عمارة فيها. المهم أن يكون لأهله، وهم سيعمرونه ويحولونه الى جنان خضراء كما وصفه الحديث الشريف ( جنان كجنان الأردن )
(11) أما أن يتم التجويع والتركيع والسحق لإجبار الاهل على بيع الأراضي، وان يتم التطهير العرقي تحت عناوين كثيرة، ومنها العنوان الإنساني لغيرنا الظالم لأهلنا، فإنما هي كلمة حق اريد بها باطل، فهي أمور لا يقبلها وطني، بل وهي سياسة منظمة ممنهجة سارت عليها الإدارات المتعاقبة من الزوائد الدودية للاحتلال الإنجليزي، تحت مظلة الأعمار والازدهار والتنمية والتطوير وخدمة الاجيال القادمة، وهي في الحقيقة الدمار وهلاك الأجيال القادمة .
(12)كانت هذه الهواجس تراودني وأنا أقود سيارتي ومعي ولدي البشر والأخوة فلاح ومحمد المشار إليهما أعلاه. كانت حركة السير قوية على طول الطريق، سواء الناس أو الآليات، وكانت وجوه الناس عابسة مكفهرّة بسبب ما عليهم من ظلم وبلاء وارتفاع الأسعار وقلة ذات اليد ، وأثقال من أحمال الهموم بلقمة العيش والخوف من التبلي والمكائد التي صارت منهجا لا تخطؤه العين والاذن ،
(13)فكثير من مقدرات البلاد ذاهبة لحفنة من مثلث الغمّ (غرباء، مرتزقة، مقاطيع) وعلينا جميعاً أن نكدّ ونكدح لدفع الضرائب، وفوارق ارتفاع الأسعار، لكي تذهب هذه إلى جيوب هذه الزمر الخرقاء، الذين لا يرعون فينا إلاً ولا ذمة.
(14) فالأردن يعاني من احتلال القرار، واحتلال الأرض، واحتلال الإدارة، واحتلال الكيان. واحتلال الارادة، واحتلال الأسماء في كل ركن وزاوية، وليس لأحد أن يتحدث، ومن يتحدث فهو عدو لما يسمى بأكذوبة الوحدة الوطنية، التي هي عبارة عن قميص عثمان وتستخدمها الزوائد الدودية المختلفة لتطويق وخنق الأردنيين، ومنعهم من التحدث في الشأن الوطني الأردني، والهم الوطني الأردني العام.
(15)كانت (ضبعة مؤنث ضبع ) من قبل في الخمسينات حتى الثمانينات من القرن العشرين محطة صغيرة على الخط الصحراوي، وكانت استراحة ومقهى ودكانا، يقف عندها القليل من السيارات التي كانت تسلك الخط الصحراوي الضيق، وكانت شمعة في بجر لجي، في منطقة لم يكن بها سكان مستقرون ولا استراحات واسواق.
(16) ومع الزمن صارت منطقة ضبعة تجتذب مجموعات من بني صخر للاستقرار حولها، حتى أصبحت الآن قرية كبيرة فيها آلاف السكان من بني صخر ، ولم تعد تقتصر على تلك الدكان أو الاستراحة البسيطة، بل هي الان القرية الواسعة وأهلها من ابناء عمنا عشائر بني صخر.
(17) أما سواقة فكانت بئراً ارتوازيا يرده البدو، وكان موقع البئر إلى الغرب من مسار الطريق، في مجرى الوادي وبطنه ولا زال ظاهراً للعيان إلى الآن (2006)، وبقي يسمى وادي سواقة، وبئر سواقة، إلى أن جاء منتصف الثمانينات من القرن العشرين، حيث تم إنشاء سجن صحراوي كبير في الموقع ، ومن حوله أشجار كثيرة من الزيتون، وصار السجن المسمى مركز الإصلاح على يمين الطريق على شفا وادي سواقة. ويبدو أنه سيستقطب الاستقرار آجلاً أم عاجلاً.
(18)وقبل الوصول إلى القطرانة، تشاهد على أطراف الطريق إنشاء مصانع حديثة، وبذلك فإن النقاء الذي كان صفة هذا الوادي بدأ يصارع التلوث، وبخاصة بعد دفن النفايات النووية في منطقة القطرانة. فالأردن لم يعد ساحة مستباحة للطيور المهاجرة فحسب، بل ومدفناً للنفايات النووية. فالأردنيون يعانون جوعاً، وأولئك يتمتعون ويلههم الأمل، ونحن لا حول لنا ولا طَوْل ولا امل ؟؟؟ .
(19)كنت ولا زلت وسأبقى أقول لزوجي ولأولادنا: البشر ونميّ والعرين والزهراء وآية، الحريصون دائماً عليّ، الذين لا يريدون لي السوء، ولا الاقتراب من المهالك، ضمن حرص الزوجة العفيفة وحرص الابن البار مع الوالد الحاني،
(20)كنت ولا زلت وسأبقى أقول للأردنيين جميعاً: على رسلكم أيها الصحب، يا أبناء وطني. إن مثلث الغمّ وأدواتهم، وسائر اذناب الانتداب جميعاً
(21), لا ينزعجون عما يصدر عنا او منا من الشتائم والغضب وفقدان الأعصاب، ولا يهز فيهم شعرة أن تكون حزبياً لأنها أحزاب مخترقة، ولا من اصحاب التنظير في المقاهي والمواخير، لأنها لا تتجاوز الجلوس والتنظير والصخب ثم يذهب ادراج الرياح، كأن شيئا لم يكن، وانه رسائل لا تلقي لها الدولة بالا
(22)ولا من الذين يرقصون في كل زفة ويلطمون في كل مأتم، لان احدا لا يسمع هؤلاء حينها، ولا ان تكون صاحب مال او مجون، لان ذلك يجعلك أكثر الناس حرصا على الحياة والمال.
(23) إن الذي يزعجهم ويقلقهم، ويصيب نومهم بالسهاد الطويل: هو أن نكون جزءاً من فكر ومشروع وطني أردني نقي، وتحرك وتجمع أردني حقيقي او تنظيم وطني أردني، لان ذلك يهز اركان مثلث الغم والزوائد الدودية ووكلاء الاحتلال الإنجليزي من جذورهم،
(24)ولأن هذا الفكر يَرْوي بماء الحياة الوطنية، بقايا جذور وجذوة القضية الأردنية عند الأردنيين، وبالتالي فإن مشروعهم الانهدامي والانهزامي ضدنا لن يجد إلا الفشل، لان الفكر الوطني له من مقومات البقاء، والدفاع عن نفسه وعن الوطن، ما يجعله عصيا على التهشيم والتهميش والاندحار، وهو ما لا يريده أبناء الزقاقات والمواخير.
(25) ان التنظيم الوطني يجب أن يعبر عن الوجدان الوطني والهم الوطني العام، وعن معاناة الأردنيين وآمالهم وآلامهم، وعن شرعيتهم وقضيتهم وهويتهم، وبالتالي فالتنظيم الوطني والفكر الوطني الاردني، هما الروح الوجداني للأردنيين التي تربط بين غالبية أبناء الوطن الواحد الموحد .
(26) وبناء عليه فان الخيار الوطني الانسب ليس تشكيل الحزب بالطرق الموجودة على الساحة الاردنية حاليا (2006) أو البقاء في الساحة عملاً منفرداً. ولكن المأساة ان مجرد التفكير بذلك يؤدي الى قمع من يفكر به، فكيف ان مارسه؟ حينها تنخزق طبقة الاوزون بمحاذاته ؟؟؟.
(27)إن الأحزاب يجب أن تقدم اوراق اعتمادها للسلطة التنفيذية والأمنية ، وعليها أن تستأذن سلفاً لأي اجتماع أو لقاء أو مسيرة أو اتصال داخلي أو خارجي، وإلا عوقبت بالحرمان والتشديد وربما الحلّ، فضلاً عن الحملات الرسمية ضدها، مما ينفرّ الناس منها.
(28) وإن مثل هذه الوضع لا يناسب شخصاً مثلي، ولا يناسب الفكر الذي أحمله، ولا يناسب بقية الأردنيين الذين يشاطرونني هذا الفكر. وبالتالي فإن الحل يأتي من خلال إنشاء التنظيم الوطني الاردني عاجلا ام اجلا. التنظيم الذي يؤمن بإعادة بناء الأردن الحديث والدولة الوطنية والهوية الأردنية والديموقراطية والحرية ونبذ العنف والتطرف والارهاب، والايمان بحقوق الانسان وتكافؤ الفرص،
(29)وان غياب هذه من اي مجتمع، انما يحوله الى مجتمع متوحش لا حياة فيه الا للقمع والاضطهاد، ولا قوة فيه الا لمن يعتلي السرج، ويضرب بيد من حديد، اما المستضعفين فليس لهم الا الله سبحانه، وكفى بالله حسيبا. ومع هذا فان العنف الرسمي يولد العنف المضاد ولو بعد حين، وهذا ما أثبته التاريخ والاحداث في جميع المراحل ولدى سائر الشعوب والاعراق والديانات.
(30)انتهت ( ح1) وتليها ( ح2) بعون الله تعالى وهي مواصلة الحديث عن رحلتي الى رم 2006م )