رحيل قامة
وطنية كِنانية… النائب السابق والمخترع علي الملكاوي – سيرة ومسيرة
نيروز
– محمد محسن عبيدات
برحيل
سعادة النائب السابق الحاج علي محمد ملكاوي، فقدت الساحة الوطنية الأردنية اليوم قامة
وطنية سامقة، ورمزًا سياسيًا واجتماعيًا وإنسانيًا نادر المثال، ورجلًا كرّس حياته
للعلم والعمل والابتكار وخدمة الوطن والناس. رحل أبو محمد بعد مسيرة حافلة امتدت عقودًا،
حمل خلالها همّ الوطن في قلبه، ورسالة الخير في يديه، ووهج الإبداع في عقله وروحه.
كان الفقيد
الراحل أحد أبرز المخترعين الأردنيين في مجال الكهرباء، إذ قدّم اختراعًا استثنائيًا
حفظ الله به أرواح البشر؛ جهازًا مبتكرًا يحمي الإنسان من الصعقات الكهربائية حتى في
أكثر البيئات خطورة ورطوبة، مثل برك السباحة والآبار ومواقع العمل المائية. اعتمد الجهاز
على مبدأ عزل الإنسان عن الدائرة الكهربائية، وخضع لاختبارات دقيقة في الجمعية العلمية
الملكية ووزارة الطاقة والثروة المعدنية، ليُثبت نجاعته وقدرته على تحقيق الأمان الكامل.
ورغم العروض
السخية التي تلقاها لشراء براءة اختراعه من شركات عالمية، آثر الحاج علي أن يهبه مجانًا
للبشرية جمعاء، صدقةً جاريةً عنه وعن أهله، وإيمانًا منه بأن العلم رسالة سامية يجب
أن تُقدَّم للناس قبل أن تُباع.
وُلد الفقيد
في الأردن، وشقّ طريقه العلمي مبكرًا بحصوله على دبلوم في الكهرباء من الولايات المتحدة
عام 1967. عاد بعدها ليخدم وطنه في القوات المسلحة الأردنية مدة 18 عامًا، مدرّبًا
للأجيال في مجالات الكهرباء والإلكترونيات والأسلحة الموجهة. ثم واصل مسيرته في وزارة
الزراعة ومن بعدها في سلطة المياه، حيث عمل خبيرًا في الكهرباء والمضخات المائية لأكثر
من 36 عامًا، محافظًا على حضوره المهني المتفوق، بعد أن حصل على عدة دورات خارجية متقدمة
نال في العديد منها المركز الأول.
ولم يكن
عطاؤه مقتصرًا على الوظيفة؛ فقد أسّس شركات رائدة في مجال الكهرباء والغازات والمشاريع
الإلكترونية، ووفّر من خلالها فرص عمل لحوالي 180 مهندسًا وفنيًا، ما جعل اسمه علامة
فارقة في قطاع الصناعة الكهربائية الأردنية.
أما على
الصعيد السياسي والاجتماعي، فكان الحاج علي الملكاوي حاضرًا بقوة، نائبًا في مجلس النواب
الأردني، وعضوًا فاعلًا في مجلس محافظة لواء بني كنانة/بلدية خالد بن الوليد. شارك
في العديد من اللجان النيابية المهمة، مثل لجنة الطعون، ولجنة التربية والتعليم، ولجنة
التوجيه الوطني والسياحة، ولجنة اللاجئين وغيرها. وكان صوته في هذه اللجان صوت الحق
والتنمية، يعمل من أجل الناس لا من أجل موقعٍ أو جاه.
وفي حياته
الخاصة، كان أبًا حنونًا ومربيًا فاضلًا. خلّف خمسة أبناء، أربعة منهم مهندسون في مجال
الكهرباء، يحملون إرثه العلمي والمهني، ويسيرون على خطاه في طريق التفوق والابتكار.
رحل الحاج
علي محمد ملكاوي، لكنه ترك وراءه نورًا لا ينطفئ: اختراعًا يحمي أرواح الناس، ومسيرة
عطرة، وسيرة ستظل تُروى بكل فخر. كان رجلًا من طراز نادر، جمع بين العلم والإيمان،
وبين الإبداع والتواضع، وبين الوطنية الصادقة والإنسانية الرحيمة.
نسأل الله
العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يجعل عمله صدقة جارية، وأن يلهم أهله وذويه
ومحبيه الصبر والسلوان.
إنا لله
وإنا إليه راجعون.