برعاية
العتوم مهرجان ثقافي إبداعي في بلدية الشعلة يؤكد ان المعرفة خط الدفاع الأول عن هوية
الوطن
نيروز
- محمد محسن عبيدات
في فضاءٍ
تتعانق فيه الذاكرة مع الوعي، وتلتقي فيه الأرض بالتاريخ، انطلقت فعاليات مهرجان شعلة
اليرموك الثقافي الثالث في بلدية الشعلة، برعاية عطوفة محافظ إربد السيد رضوان العتوم،
وتنظيم ملتقى شعلة اليرموك الثقافي، ممثلًا بالشاعر الدكتور إبراهيم الطيار، تحت عنوان
حمل دلالات عميقة: "بناة الأجيال… وحرّاس المعرفة”. وحضر المهرجان متصرف لواء بني كنانة خلدون العبادي وعدد من مهيب من الشخصيات وابناء المجتمع المحلي .
مهرجان
لم يكن احتفالًا عابرًا، بل محطة ثقافية وطنية، أعادت الاعتبار للكلمة، وأكدت أن الثقافة
ليست ترفًا، بل مسؤولية، وأن بناء الأوطان يبدأ من بناء الإنسان، وحراسة العقل قبل
حراسة الجغرافيا.
استُهلّت
الفعاليات بعزف السلام الملكي الأردني، في لحظة جسّدت الاعتزاز بالقيادة الهاشمية والوطن،
تلتها تلاوة عطرة من القرآن الكريم بصوت القارئ علي وليد الطوالبة، أضفت على المكان
سكينة روحية وبُعدًا وجدانيًا عميقًا.
وأدار
فقرات المهرجان الشاعر موسى النعواشي، بحضور رسمي وثقافي وشعبي واسع، عكس المكانة التي
بات يحتلها المهرجان في المشهد الثقافي شمال الأردن.
وفي كلمته،
أكد راعي المهرجان عطوفة محافظ إربد رضوان العتوم أن هذا اللقاء ليس مناسبة عادية،
بل محطة ثقافية وطنية مشرّفة، تستمد رمزيتها من المكان والرسالة، فهنا اليرموك، حيث
كُتبت إحدى أعظم صفحات التاريخ، وهنا الشعلة التي لم تنطفئ، بل انتقلت من ساحة المعركة
إلى ساحة الفكر، ومن قوة السيف إلى قوة الكلمة والمعرفة. وأشار العتوم إلى أن لواء
بني كنانة أثبت أن الثقافة فعل متجذّر ومسار راسخ، وليس نشاطًا موسميًا، وأن حصوله
على لقب مدينة الثقافة الأردنية لعام 2023 لم يكن إلا تتويجًا لمسيرة طويلة من الوعي
والعمل، مدعومة ببنية تعليمية متقدمة ونضج ثقافي يعكس وعي الإنسان بدوره ومسؤوليته.
ونوّه إلى أن هذا الحراك الثقافي ما كان ليزدهر لولا الرعاية الهاشمية الحكيمة، مؤكدًا
أن النهضة الفكرية التي نشهدها اليوم هي امتداد لرؤية جلالة الملك عبد الله الثاني
ابن الحسين، حفظه الله، في بناء الإنسان الأردني الواعي، ومشيدًا بدور سمو الأمير الحسين
بن عبد الله الثاني، ولي العهد، كنموذج شبابي يؤمن بالمعرفة والابتكار وصناعة المستقبل.
واختتم العتوم كلمته بالتأكيد على أن "بناة الأجيال هم صنّاع الغد، وأن حرّاس المعرفة
هم خط الدفاع الأول عن هوية الوطن”، موجهًا الشكر لإدارة ملتقى شعلة اليرموك الثقافي
ولكل من آمن بأن الثقافة واجب وطني ورسالة حضارية.
من جانبه،
رحّب السيد ضرار محمود غوانمة بالحضور، مؤكدًا أن ملتقى شعلة اليرموك الثقافي هو صرح
وطني تأسس على الإيمان بدور الثقافة في بناء الإنسان وتعزيز الهوية، ويعمل على احتضان
الطاقات الإبداعية من أدباء وشعراء ومفكرين، وترسيخ قيم الحوار البنّاء، والانتماء،
والعمل التطوعي، وتوسيع الشراكات مع المؤسسات الثقافية ومؤسسات المجتمع المدني. وأشار
إلى أن هذا المهرجان جاء وفاءً وتقديرًا لمن قدّموا جهدهم وطاقتهم في خدمة المعرفة
ورفع سوية الإنسان الأردني.
وفي كلمة
المجتمع المحلي، تحدث الدكتور علي إبراهيم الطوالبة عن المعلمين والمعلمات بوصفهم بناة
الأجيال الحقيقيين، الذين خرجت من بين أيديهم أجيال خدمت الوطن في مختلف الميادين،
مشددًا على أن المدرسة هي البيت الثاني لأبنائنا، ومنها تُغرس قيم الصدق والانتماء
وحب الوطن. ودعا إلى تعزيز الشراكة بين الأسرة والمدرسة، مؤكدًا أن النجاح التربوي
لا يكتمل إلا بتكامل الأدوار، وبتطوير أساليب التعليم ووسائل التدريس الحديثة.
وشهد المهرجان
تنظيم "حوارية اليرموك”، التي أعدّها وأدارها خالد علي الطيار، بمشاركة كل من: خالد
علي الطيار، علي وليد الطوالبة، نضال رشيد العمور، أميرة منصف نعامنة، وجنى منصف نعامنة.
وقدمت الحوارية قراءة فكرية لدور المعرفة في صناعة الأجيال، ومسؤولية المثقف في زمن
التحولات، حيث أجمع المشاركون على أن المعرفة خط الدفاع الأول عن الهوية، وأداة بناء
لا غنى عنها لأي مشروع وطني.
وتنوّعت
الفقرات الشعرية، بمشاركة الشعراء: حسين الترك، محمد علي العودات، الدكتور إبراهيم
الطيار، طيبة ثائر الشراري، ورقية عيسى طوالبة، حيث حملت القصائد مضامين وطنية وإنسانية
استحضرت الذاكرة والهوية والانتماء.
كما قُدّمت
مغناة "سحم”، من كلمات الدكتور إبراهيم الطيار، وأداء الفنان زيد ركان أبو العسل، وبمشاركة
طلبة مدرسة سحم الأساسية للبنات ومدرسة الصديق الأساسية للبنين، بإشراف المعلمتين نور
غوانمة وهبة طوالبة، وبمرافقة موسيقية لكل من: سرحان يوانسة، ناجح عمارنة، جميل دخان،
في لوحة فنية جسدت تلاقي الفن بالتربية، والأجيال بالرسالة.
وتخلل
المهرجان عرض فيديو خاص بالمكرّمين، استعرض مسيرتهم وإسهاماتهم، إضافة إلى عرض توثيقي
عن بلدة سحم، بوصفها مكانًا يصنع الإنسان ويحفظ الذاكرة.
واختُتمت
الفعاليات بفقرة التكريمات، تأكيدًا على أن الاعتراف بالجهود هو أساس الاستمرار، وأن
الثقافة لا تزدهر إلا بالوفاء لأهلها.
لم يكن
مهرجان شعلة اليرموك الثقافي الثالث مجرد حدث، بل رسالة وطنية واضحة: أن الثقافة فعل
مقاومة، والمعرفة مسؤولية، وبناء الأجيال أمانة لا تسقط بالتقادم، ومن أرض اليرموك،
التي أنجبت أبطال التاريخ، سيبقى الأردن ينجب مفكرين ومبدعين، يحملون مشاعل الوعي،
ويصونون الوطن بالفكر كما صانه الأجداد بالتضحيات.